الأربعاء، 20 أكتوبر 2010

مَن يعرف طعم السعادة ؟

لا أنسى أبداً وجه تلك العجوز و لا لمعان عينيها و لا حتى نبرات صوتها الذى تهدج – شوقاً و نتيجة لكبر سنها معاً – عندما سألها الإعلامي عمرو الليثي : لماذا لا تتركي هذا البيت الفقير الناشب على ضفة النيل و تأخذي بيتاً انيقاً بديلاً له كما عرضت عليك المحافظة ؟

فردت بتلقاية و تأثر قائلة : يا أستاذ عمرو النيل ده إبني ، أنا بصحى الصبح أصلي الفجر و أصحّى أولادي و أحفادي ، و بعد ما يروحوا المدرسة ، لازم أروح أتطمّن على النيل ، بقالي 80 سنة ما فوتِّش منهم يوم من غير ما أشوفه ، بعد العمر ده كله عاوزين يحرمونى منه ، أنت ترضى يا أبنى أن حد يحرمك من إبنك ضناك ؟!




هذه السيدة العظيمة تعاني – كشان غالبية المصريين – من الفقر و الحاجة ، و ربما لا تجد ثمن الدواء ، و ربما لها أبناء بلا عمل ، و أحفاد لم يذهبوا للمدرسة تخفيفاً للمصاريف عن كاهل والدهم المسكين ، و لكن الذي أستوقفنى هنا هو : لماذا لا تريد هذه السيدة ان تتخلى عن هذا البيت في مقابل مكان أفضل و حياة أفضل – بفرض حُسْن نوايا المسئولين - ؟!

هذه السيدة تعتبر بيتها المتواضع المبنى من الطوب و الخشب هو ما تملكه من أرض على هذه الدنيا، و أن أى مكان تذهب إليه بعد كل هذا العمر -  و الذكريات – سوف تكون غريبة عليه ، و لن يكون لها بيت إلا بيتها الذى تسعد فيه برؤية النيل  ...

هذه السيدة لا ترى أن هناك إثم ترتكبه بثباتها على موقفها ، بل ترى أن الوطنية من أهم ما يدعو إليه الدين ، و يؤيد ذلك قول الرسول عند خروجه من (وطنه) : ]الله يعلم أنك - أى مكة - أحب البلاد إلى قلبي ولولا أن أهلك أخرجونى منك ؛ ما خرجت[.

و لكن فئة كثيرة من الشباب المصري ترى هذه النظرة على أنها خيالية حالمة ، و ربما سخروا منها ؛ و لهم بعض الحق ، فهم يرون الفساد يسيل من كل شىء ، من الجامعات و الفضائيات و الأندية و الشركات ؛ حتى بيوتنا لم تخل من فساد إجتماعي !

إذا كنت شاباً مصرياً فى العشرينات فهناك طريقان لا ثالث لهما ، الطريق الأول أن تكون رجلاً عادياً ، لا تكترث بما يحدث حولك ، تحصل على شهادتك و تلهث للحصول على وظيفة تتيح لك دخلاً مناسباً ، ثم تتزوج ، ثم تنجب أطفالاً ، و تحاول أن تبحث لك عن ردود مقنعة لأبناءك عندما يسألوك : ماذا فعلت يا بابا عندما رأيت بلدك الوحيد تحتاج إليك عندما كنت شاباً ؟ و مَن السبب فى الإنحدار الذى نعيشه الآن - أى الجيل القادم ؟ و الأسوأ إذا خرج أحد أبناءك يقول لك : أنظر ماذا فعلت بصمتك و أنانيتك و كسلك عن العمل لمستقبل أفضل لهذه البلد ، مستقبل أفضل لنا ؟!

و الطريق الثانى أن نعلو على أنفسنا و نجتهد فى دراستنا و حياتنا - أياً كانت - قدر إستطاعتنا ، و نُغِّير كل ما نستطيع تغييره للأفضل ، و أن نخرج من هذا الصمت الذى يميتنا و يميت معنا مئات المصريين الذين يعانون كل يوم نتيجة ما يحدث فى بلدنا ، وقتها تستطيع أن تقف أمام نفسك و أهلك و التاريخ فتقول : عملت كل اللى أقدر عليه ؛ عندها فقط ، سنعرف طعم السعادة ..
 
و لن يستطيع ذلك إلا رجل مسئول ، و كلنا مسئولون ، يبقى - فقط - أن نكون رجالاً !
نحن الشباب ، أمل أمتنا و رجال مستقبلها ، إن لم نبذل كل ما فى وسعنا من جهد ، فلسنا أبناءها و لسنا رجالاً ، فالأمم تحيا كما تحيا النفوس ، و حياتها شبابها ...


-------------------------------------
ملحوظة : الصورة بواسطة المصور أحمد هيمن ...
http://www.facebook.com/photo.php?fbid=324682037099&set=a.324681447099.157062.63182427099


..