العام العاشر
عشت ما يكفي من الحياة، أخرج منها الآن كما دخلتها، لا أعرف عنها أي شيء. سأترك لكم جثتي، فلتفعلوا بها ما تريدون. أحرقوها أو اغسلوها بالماء والمسك، ضعوها في تابوت أو في محرقة، صلّوا عليّ في جامع أو في كنيسة، لا أهتم. لم أكن أهتم يومًا.
العام الأول
"أنا عاوزه أكون زي ميس نانسي بتاعة الإنجليزي، عاوزه أكون جميلة وأكون طيبة وكل المدرسين والعيال بيحبوها، مش عاوزه أكون زي ميس اعتماد بتاعة العربي والدين، مش عاوزه أبقى رخمة"
السعادة هي أحد ثياب الحقيقة، هي ما يجعلها مقبولة، هي ما تجعلها مقبولة. زحمة الطريق واشارات المرور التي لا تتحرك والحر والعرق كلها حقائق نعيش تفاصيلها يوميًا، لكن ما يهونها علينا هو رداء الرضا التى نلبسها إياه. قد يكون هذا الرداء فستانًا قصيرًا مزركشًا بألوان مبهجة، وقد يكون كئيبًا مهترئًا، غاضبًا وكارهًا لوجوده في حد ذاته. في النهاية كلها خيارات، ولكل منا الحق في اختيار ثوب الحقيقة التي يحياها.
العام الثاني
"نجحت في الثانوية العامة، مش فرحانة أوي بس حاجة إني عملت إنجاز، ممكن مبسوطة لأن أهلي فرحانين بيّا. ماما عملت لي عروسة عشان خايفه عليّا من الحسد. وبابا حضنّي جامد وهمس لي في ودني: أنتِ قرة عيني يا سندس، أنا بحب بابا وعاوزاه يبقى فخور بيّا، يارب ساعدني أفضل مفرّحاهم بيّا على طول. يا رب."
"بعد ما رجعت من الكلية، النهارده رحت لمكتبة مودي أعمل شريط كوكتيل لأحدث أغاني عمرو دياب عشان فرح ياسمين بنت خالتي، مودي شاب أسمر طويل من النوبة أو أسوان، مش فارقة كتير يعني، بعد ما مودي عمل لي الشريط قال لي: يا سندس، ماما عاملة إيه؟
قلت له: كويسة
فراح قايل لي: خليها بقى تبخرك كويس، أنتي إحلويتي كده وعينيكي بقت ملونه والشارع بقى يقف على رجل أول ما تنزلي، أرحمي الشباب الغلابة يا ست سندس."
أنا رحت ضاحكة، وأخدت الشريط ومشيت، أول مرة حد يقول لي كلام حلو، كنت مكسوفة ومتدهولة ومش عارفة أعمل إيه، بس كنت خفيفة وفرحانة، كنت طايرة حوالى خمسة سنتي فوق الأرض من كتر ما أنا حاسّة إني خفيفة.
العام الثالث
الطاقة هي أصل الأشياء، الكون طاقة، النجوم طاقة، الشمس طاقة، وكذلك الإنسان. فبينما تخرج طاقة النجوم على شكل انفجارات تشع ضوءًا وحرارة، تخرج طاقات الإنسان على شكل انفعالات ومشاعر يبادلها مع غيره من البشر.
لازلت أبحث عن السعادة، بعيدًا عن كليشيهات الأفلام والروايات، السعادة بالنسبالي نظرة امتنان، كلمة محبة، حضن دافي وحقيقي من شخص غير متوقع، صوت الشاب إللي بيأذن لصلاة الفجر في الزاوية اللي جنب البيت. يوم جميل أروح فيه السلطان حسن وأنا حاسة أن المكان كله بيحضنّي، مين قال أن الشيطان يكمن في التفاصيل؟ السعادة هي إللي بتكمن في التفاصيل.
العام الرابع
الكون مكان معقد، صعب، عصي على الفهم أغلب الأحيان، الله يريد لنا الخير، يريدنا أن نعبده حق عبادته وسيرزقنا من حيث لا نحتسب، هو خالقنا، يعلم أسرارنا، يعلم طرق إصلاح قلوبنا، كيف لا وهو صانعنا؟
أكثر ما أحبه في رمضان جانبه الإجتماعي، زيارات العائلات، عزومات الإفطار، صلاة التراويح في الجامع، أحيانًا أكره زيارات العائلة، لكني أحبها فر رمضان، في رمضان الكل مشغول، الكل يفعل شيئًا ولا مجال لفعل كل شىء، رمضان شهر اجتماعي بإمتياز.
أحسست بإنقباض شديد عندما كان الإمام يدعوا اليوم: اللهم أهلك اليهود، اللهم عليك بالنصارى، وكررها مرات كثيرة حتى تملكني الخوف، أحسست بكره حقيقي يفيض من قلبه ويخرج على لسانه كدعاء ومن عينيه كدموع ابتهال، لماذا لا نتركهم وشأنهم؟ وإن أراد، فليدعوا الله أن يهديهم بدلاً من أن يهلكهم.
العام الخامس
شاهدت اليوم على اليوتيوب فيديو لأشخاص ملثمين أمامهم رجل معصوب العينين وهو يقرأون بيانًا يقولون فيه أن هذا الرجل خائن، وما جزاء الخيانة إلا الموت، ثم ذبحوه ووضعوا رأسه بجواره على الأرض، تقيأت عدة مرات ولم أفهم، لم أعد أفهم.
العام السادس
الهزائم التي تصيب الإنسان بين لحظة وأخرى، خيبات الأمل التى تجتاح لحظات الإنهماك المتصلة تجعلني ثقيلة، غير واعية. أجتهد كثيراً كي أفهم من أنا وماذا أفعل، كيف جئت هنا ولماذا.
تركت الصلاة، لم أعد أفهمها، ولا أصدق نفسي و أنا أصلي، هناك حاجز كبير، سور فولاذي يفصلني عن الناحية الأخرى، هل هناك ناحية أخرى حقًا؟
العام السابع
أريد أن أقطع لساني، حلولت ولكني خفت، أنا جبانة، أريد أن أستيقظ يومًا من النوم لأجد لساني مقطوعًا، هكذا، دون ألم ودون مجهود. قبل يومين تكلمت مع ياسمين عما أفكر به هذه الأيام، وليتني لم أفعل! أظنها تعتقد أني مجنونة الآن أو راكبني عفريت.
"محمود جوزي يعرف شيخ الجامع إللي على أول الشارع، ممكن أخليه يكلمه عشان يقعد معاكي ويشوف مالك يا سندس، أتوضّي وصلي بالليل كتير يا سندس وادعي ربنا يبعد عنك الأفكار دي"
العام الثامن
أشعر بالوحدة والغربة، أنا غريبة عن كل هذا، كيف جئت هنا ومن هؤلاء؟ هم ليسوا إخوتي، هذه السيدة الكئيبة ليست أمي، وهذ االرجل ليس أبي، أشعر بأني لم أكن أحدًا قبل ذلك وفجأة أصبحت هنا. أنا حزينة جدًا ووحيدة جدًا جدًا.
من أنا وماذا أفعل هنا؟
العام التاسع
حياتي أصبحت انتظار متصل للاشىء، منأنا وماذا أفعل؟ لا أعلم! لماذا أعيش هنا الآن؟ لا أعلم أيضًا. أعرف أني أريد الخروج من هنا، أريد الهروب، لكني وحيدة، لا أعرف أحدًا ولا مكان لأذهب أليه، هناك باب واحد فقط يمكنني أن أفتحه، ولكن، هل سأجرؤ على فتح هذا الباب؟
العام العاشر
عشت ما يكفي من الحياة، أخرج منها الآن كما دخلتها، لا أعرف عنها أي شيء. سأترك لكم جثتي، فلتفعلوا بها ما تريدون. أحرقوها أو اغسلوها بالماء والمسك، ضعوها في تابوت أو في محرقة، صلّوا عليّ في جامع أو في كنيسة، لا أهتم. لم أكن أهتم يومًا.