الموت هو الحقيقة الوحيدة فى العالم التى لا يختلف عليها أحد ، قد يختلف الناس فى اعتقادهم بوجود الله ، و قد يختلف مفهوم الإله و الألوهية بين الديانات المتعددة ، و قد تختلف طرق عبادتهم له بإختلاف مذاهبهم ، لكنهم جميعا يؤمنون بالموت.
و على الرغم من إيمان العالم كله بالموت ، فالناس لا يكفون عن تهميشه و تنحيته جانباً و كأنه أمر لا يعنيهم أو كأنه مرض خبيث نخاف إذا تكلمنا عنه أن نصاب بعدواه !
و هذا أصيل فى ثقافتنا ، فإذا كلَّم أحد الأبناء أمه عن الموت و سألها عن معناه ، نراها تنتفض أمامه منزعجة ، و تتمتم بكلمات مثل "بعد الشر عليك يا ضنايا" أو " الشر بره و بعيد " ، فإذا أصر أن يفهم نهرته قائلة " تِف من بقك الكلام الوحش ده و ما تتكلمش فى الموضوع ده تانى " !
قد يكون ذلك لأننا نخاف من الموت لأنه يبعد عنا أحبابنا ، أو لأننا لا نعرف على وجه اليقين مالذى سنلقاه بعد الموت ، أو لأننا لم نستمتع بحياتنا كما نريد ، فنخاف أن نموت قبل أن نعيش ، فمن المرعب لنا أن نتصور أنفسنا موتى قبل أن نحقق أحلامنا و قبل أن نُنهى رحلتنا بالوصول ..
و هذا شيىء غريب فعلاً ، كيف نخاف الموت و كلنا سنموت ؟ و كيف نخاف الموت و هو الحقيقة الوحيدة التى اجتمع عليها البشر ؟
إذا كنا نخاف الموت ، فلماذا لا نخاف من النوم مثلاً و هو صورة مُصغرة من الموت ؟ أو لماذا لا نخاف من التنفس و هو مفروض علينا كـ"أحياء" ، تماماً كالموت ؟
الموت ليس مخيفاً كما نتوهَّم ، قد يكون قاسياً بعض الشىء ، لكنه حقيقة ، و الحقيقة على بساطتها و صدقها لابد أن تكون حازمة و قاسية.
أمر سخيف أن نتجاهل الموت و نحن نعلم يقيناً أن الحياة لن تُكمل دورتها بدونه ، لن يكون لك أبناء دون أن يموت أبوك أو أمك او حتى انت نفسك .
الموت قريب جداً ، أقرب مما نتصور ، قد أموت فى هذه اللحظة قبل أن أُنهى كتابة هذه الجملة ، و قد تموت أنت قبل أن تنتهى من قراءتها ، هذه حقيقة لابد من التعايش معها كى نعطي لكل لحظة من حياتنا قيمتها الحقيقية ، فالموت هو الحقيقة الأغلى فى العالم التى تخبرنا كم هى غالية هذه الحياة و هذه النفس و هذه اللحظات التى تُكوّنها و تبنيها و تنهيها أخيراً.
السعيد هو من يحيا بالموت ، و يتعايش معه كحقيقة واقعة ، لا وقت للحزن لمن عرف الموت و قوته ، قد نشعر بالحنين يوماً ما و قد نشتاق للمسة اليد و نظرة العين التى غابت عنَّا للأبد ، لكننا لا نحزن أبداً ، فعلى الرغم من جهلنا بالمنتهى ، فكلنا ذاهبون إليه ذاته ، و قد نلتقى فى مكان آخر لاكون فيه الموت بمثل هذه القسوة ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق