كثيراً ما يتحدث الأدباء و الفنانون عن الأرواح و الأجساد و الجمال و الأذواق، و لكنهم يتحدثون دائماً عن تلك الروح التي تضيق بجسدها و تطمح في الإتصال بالجمال في كًل شىء ، حتى تبلغ الإتصال بمُنتهي الجمال الكوني.
بينما يتحدث رجال الدين عن تلك الروح على أنها سر من أسرار الخلق ، أختص الله بها نفسه، و لكنهم - أيضاً - يُرجعون كُل ضيق في النفس و اضطراب في الروح إلى معصية الله!
لست فناناً و لا أديباً ولا عالم دين و لكني أجد أن الناس مُختلون في هذه النقطة تحديداً ، فهم دائماً ما يُرجعون قلقهم و اضطرابهم إلى قوة لايقدرون على فهمها تمام الفهم ، فهي عند الأدباء و الفنانين تُمثل الجمال بتعقيداته التي لا يفهمها الكثيرون، بل يشعرونها. و عند رجال الدين يُمثل الإضطراب الروحي غضب من الله، و يكون عند الكثيرين مُجرد "موود مش تمام" و سيمضي بعد قليل إلى غير رجعة.
لكني أظن أن هذا الإضطراب ناتج عن وجود إطار ما يَحكم علاقاتنا و سلوكياتنا و يفرضها فرضاً ، لا أقول يُنظمها ، لكن يفرضها!
يمكن لهذا الإطار أن يكون دينياً ، أو فلسفياً أو إجتماعياً .. المُهم أنه موجود و يتحكم فينا و يفرض علينا التصرف بشكل ما دون إعطاء أي أهمية لإختلافاتنا التى خُلقنا بها .. فعندما يجلس شاباً مع فتاة في غُرفة واحدة ، تجد الفتاة نفسها في مأزق ، لا يُمكنها أخذ قرار بنفسها ، فإذا فكرت بعقلية رجل الدين ، ستجد أنها لابد أن تُغادر المكان فوراً أو أن تُنادي إحدى صديقاتها للجلوس معها حتى لا تكن في خلوة مع رجل أجنبي في مكان مُغلق .. فكُلنا يعلم بشطارة الشيطان، بينما لا يعلم أحد بقوة المباديء أو تقوى الله.
و إذا نظرت للجانب الإجتماعي ، فستجد أن الفتاة ستذهب نحو الباب و تفتحه و تتركه مفتوحاً - حتى لو كانت تسكن في الدور العاشر و لن يصعد إليها أحد !- ثم تعود و تُكمل الحديث مع هذا الرجل في طُمانينة مُصطنعة ، لأنها لم تفعل ذلك لعدم ثقتها في هذا الشخص ، إنما لعدم ثقتها في صورتها عند الناس .. فهي تفعل ذلك حتي لا يقول الناس عنها كيت و كيت و كيت ..
و إذا نظرت للجانب الفلسفي لبعض الفنانين ، ستجد أنها ستحاول أن تتظاهر بأنها غير قلقة من حديثها مع رجل غريب في منزلها وحدها - على الرغم من تصارع جميع الآراء في رأسها - لكنها ستُرغم نفسها على التواجد في قالب الفنانين ، لذلك يجب أن تجلس معه في ود و ترحاب ، يُمكنها أيضاً أن تُقبَّل الرجل و أن تحتضنه كعلامة على التواصل الروحي و العاطفي و إن كانت فى قرارة نفسها ترفض ذلك .. و بذلك تتحول أيضاً إلى قالب جامد يُسمي قالب الفنانين و الأدباء!
لا يُمكن للروح أن تهنأ بجسدها التي خُلقت به إلا إذا كانت هذه الروح تُمثل هذا الجسد و تتصل به بشكل عاطفياً بالقلب ، و فكرياً بالعقل ..
ما أعرفه هو أني كي أشعر بأن روحي و جسدي يُمثلان كياناً واحداً مُتناغماً ، فعلي أن أكون أنا .. أنا و لا احد غيري ، و ألا أفرض أقنعة و إطارات زائفة على نفسي ، سواء كانت هذه الأقنعة و الإطارات دينية أو إجتماعية أو حتي تًمثل فلسفات لأحد ما غيري ، لن أضعها كي يراني الناس هكذا .. لن يفعل لي الناس شيئاً إذا كُنت في نظرهم أسعد الناس و أتقاهم و أفضلهم و أكثرهم تقديراً للفن أو العلم إن لم أكن أشعر بذلك فعلاً ..
على الأنسان أن يَكون نفسه كي يَكون سَعيداً .. فالحياة أقصر من أن نحياها في إطارات عتيقة تُفقدنا حُرية الفكر و تقتل فينا الرغبة في التجديد و الإبداع و تُخيفنا منه ..
فكرتنى باغنية احمد مكى متحاولش تكون حد تانى غير نفسك
ردحذف