بدون أي اتفاق مُسبق، قابلت زملاء الدراسة في
الكلية أثناء حضوري حفل توقيع رواية أحد الأصدقاء. تغيرنا، كم تغيّرنا. وكم تغيّرت
ملامحنا ولغتنا. هل معرفتنا المُسبقه بمآلاتنا كانت ستمنعنا من الإنخراط سويّاً
لنُصبح أصدقاء آنذاك؟ لا أحد يدري. بهجة اللقاء كانت أقوى من أن تتأثّر
باختلافاتنا. تحاشينا الحديث عنها بأدب واحترام. لم نذكُر أصدقائنا الصاخبين
اللذين ماتوا في هذه المسيرة أو في هذا الإعتصام أو ذاك. لم نذكر من كان مؤيداً
ولا من كان معارضاً. و كانت قلوبنا أكثر هشاشة من أن نذكرهم دون أن نغضب لهم أو عليهم. لهم لأنهم
ماتوا دفاعاً عمّا نؤمن به. أو عليهم لأنهم كانوا أحمق من أن يُدركوا أنهم في
المكان الخطأ آنذاك. هل ضاق الكون على الموت حتى يختارهم في هذه الأوقات؟ لماذا لم
ينتظر حتى يرجع أحدهم قُرب بيته فتدهسه سيّارة؟ أو تتحطّم به طائرة؟ أو حتّى تخطفه صاعقة أو يبتلعه ثقب أسود على أطراف هذا الكون؟ أكان من
اللازم أن يموتوا – عبثاً - على يد بعضهم البعض؟ لم تخطر مثل هذه النهايات على عقولنا
آنذاك.
-
إحنا بقالنا كتير ما إتجمّعناش كدا يا جدعان، لازم ناخد
صورة.
-
مش مشكلة يا جماعة، مفيش كاميرا حلوة معانا دلوقتي، يلا
نطلع على أي كافيه أو قهوة نقعد هناك شويّة. ولا أقول لكم، أنا جعان، مين عايز
ياكل حواوشي كلابي من الرجل إللي في ميدان سفير؟
يالوجع القلب. يُريدون أخذ صورة تجمعنا
ثانية. ألا يعلمون ان نظراتنا الباسمة أثناء التقاط الصور ما تلبث إلا أن تكون
سهاماً تخترق قلب كل من ينظر لعينين هذا اللذي مات؟ ألا تُعذّبهم صور اصدقائهم
الراحلين التي تُلاحقهم أينما كانوا؟ ألا يكفيهم رنين ضحكاتهم ودقيق حركاتهم
وإيماءاتهم؟ لا أريد أن أشارككم بإرتكاب جريمة كتلك. أنّي بريء منكم ومما تعملون.
على الأقل الآن.. وهنا..