الأربعاء، 22 أغسطس 2012

صناعة التبعية ..




على مدى تاريخ مصر الحديث، كلما جاءت كلمة " "تحديث" أو "نهضة" لابد أن تتبعها نكسة على المستوى الإقتصادي.

 ففي عام 1876 و بعد محاولات التحديث الغربية لمصر التي تمت في عهد حكم سعيد و اسماعيل – لكي تكون مصر قطعة من أوروبا- أصدر الخديوي اسماعيل ديكريتو 7 أبريل بإعلان إفلاس مصر، ثم أصدر مرسوم بإنشاء " صندوق الدين" لكي يتمكن من سداد ديون مصر التي اقترضها من الغرب الرأسمالي.

كان "صندوق الدين" تحت الإدارة المُباشرة لإنجلترا و فرنسا و النمسا و إيطاليا. و كان اقتصاد مصر يُدار عن طريقه، فكانت مصر بعد إنشاء "صندوق الدين" كالمزرعة أو العزبة، يُديرها مُلاكها في أوروبا وفقاً لما يرونه "حقاً لهم" و أصبحت مصر بهذا الصندوق تابعة للغرب اقتصادياً، و لم ينتظر الإنجليز أكثر من 6 سنوات حتى جاء الإحتلال الإنجليزي لمصر عام 1882 لتتحول التبعية الإقتصادية لتبعية كاملة.

و في عام 1976 فتح حاكم مصر – الرئيس السادات – أبواب الإقتصاد المصري لرأس المال الأجنبي فيما يُعرف بعصر الإنفتاح بحجة بناء اللإقتصاد المصري على القروض و الإستثمارات الخارجية. عندئذٍ تدخّل "صندوق النقد الدولي" كضامن لتدفّق قروض الحكومات و البنوك العالمية.

و كان الهدف: فتح الإقتصاد المصري – الوطني – أمام رأس المال الغربي و إعادة تخصيص موارد الدولة المصرية لخدمة رأس المال الجديد – أي رأس المال الغربي و المحلي التابع له – مما أدّى إلى ضعف سُلطة الدولة في السيطرة على الأسواق و الأسعار و أصبح تهديد اقتصاد الدولة المصرية بين يدي أصحاب رؤوس الأموال الغربية. و هذا يعني تبعية اقتصادية كاملة للمركز الرأسمالي الغربي. و لعل هذا قد يُفسّر رضوخ الدولة المصرية فيما بعد لتوقيع ما يُعرف بإتفاقية السلام مع اسرائيل في سبتمبر 1978.
و الآن يتم إعادة صناعة التبعية المصرية للغرب مرة أخرى و بنفس الأدوات – مع تغيير طفيف في أسماء اللاعبين- فالدور الذي قام به الخبير الإقتصادي البريطاني الشهير" ستيفن كييف" في عهد اسماعيل يقوم به الآن مُنظمات دولية كُبرى مُتخصصة في إقراض الدول النامية و المنكوبة فيما يُعرفون باسم " قراصنة الإقتصاد".

يقوم قرصان الإقتصاد – و هو عالم إقتصاد رفيع المستوى-  بعمل دراسات اقتصادية دقيقة عن أحوال البلد الإقتصادية، ثم يرفع هذه التقارير للمؤسسات المانحة – مثل صندوق النقد الدولي- و التي على أساسها تقوم بوضع شروط تعسفية قاسية لمنح القروض، و تتعثر الدول عن سداد الديون في أغلب الأحيان – نظراً لدقة قراصنة الإقتصاد و مهارتهم في عمل دراسات اقتصادية خادعة و مُغرقة في التفاؤل لمستقبل الدول النامية أو المنكوبة- ، فتقوم المؤسسات و الحكومات الغنية بدفع "معونات" للدولة المُتعثّرة حتى لا تُعلن إفلاسها، وفي المُقابل تتحول الدولة المُستقلة ذات السيادة إلى دولة تابعة اقتصادياً. و عند زيادة الديون، تتحول التبعية اللإقتصادية إلى تبعية سياسية –  مثل الإرغام على التصويت لإمرار قرارات في الأمم المتحدة – أو تبعية عسكرية – كإنشاء ثكنات و مُستعمرات عسكرية أجنبية على أراضي الدولة.

و الآن، مع صعود كلمات مثل " مشروع النهضة" و "تحديث" الدولة المصرية، يعود شبح الديون من جديد، مما يُنذر بمخاطر و صعوبات اقتصادية في المُستقبل سنتحمّل عبئها وحدنا-  نحن الشباب و أبناؤنا من بعدنا – ..
فهل هذا ما قامت من أجله الثورة المصرية؟ لماذا لا يقوم الرئيس بجمع أمول الدعم المطلوبة كما دعت لذلك الدكتورة هبة رؤوف عزت – أستاذة الإقتصاد و العلوم السياسية بجامعة القاهرة – دون اللجوء للإقتراض من البنك الدولي؟
لقد قامت السيدة أم كلثوم بجمع التبرّعات عام 1968 من أجل سيادة الأمة العربية، و كانت النساء يضعن الحُلي و الأموال في منديلها حتى لا تُكسر أرادة المصريين ولا يتم إذلالهم إقتصادياً. لماذا لا نفعل مثلها و نلجأ بكل سهولة للإستدانة؟

التاريخ يُخبرنا أن الدولة المُدانة هي دولة تابعة، و لكي لا تُصبح مصر دولة تابعة: أعلن كمواطن مصري اعترضي على استدانة مصر من صندوق النقد الدولي و أعلن استعدادي على المساهمة في دعم أي مُبادرات شعبية – كالتي قام بها الشيخ محمد حسان من قبل أو التي دعت لها الدكتورة هبة رؤوف عزت مؤخراً - للجمع الأموال المطلوبة بدلاً من الإستدانة من الخارج.




المراجع :

   إفلاس مصر في عهد اسماعيل


بعثة الإقتصادي الإنجليزي ستيفن كييف في عهد اسماعيل لفحص الحالة المالية لمصر 


صندوق الدين العمومي الذي تم إنشاءه في عهد اسماعيل

كتاب صناعة التبعية لرضا هلال على جوودرييدز



كتاب عالم اللإقتصاد الأمريكي: جون بيركنز " الإغتيال الإقتصادي للأمم " على جوود رييدز


..

عبودية الأحلام


هناك نوع خاص من العبودية " عبودية الأحلام": و هي أن يظل الإنسان عبداً لأحلامه، أن يفعل كذا و كذا و يُضحّي في سبيل ذلك بكل ما يملك - و ربما يُضحّي بالقيم الأخلاقية التي يعيش بها- من أجل تحقيق ذلك الحلم الذي يكاد يضربه على ظهره بسياط الفشل كل يوم.

الأمرّ من ذلك هو ألّا يكون الحلم ذاتياً خالصاً - أي تكون أحلامك نابعة من رغبة ذاتية - بل أن تكون عبداً لأحلام شخص آخر نجح في إبهارك و جعل من أحلامه الخاصة أحلاماً لك، فتُفني نفسك من أجل تحقيق حلم شخص آخر. لذلك تتطلب الحُرية تحقيق التحرر الكامل من الأحلام، فالحلم عبودية.