على مدى تاريخ مصر الحديث، كلما جاءت كلمة
" "تحديث" أو "نهضة" لابد أن تتبعها نكسة على المستوى
الإقتصادي.
كان "صندوق الدين" تحت الإدارة
المُباشرة لإنجلترا و فرنسا و النمسا و إيطاليا. و كان اقتصاد مصر يُدار عن طريقه،
فكانت مصر بعد إنشاء "صندوق الدين" كالمزرعة أو العزبة، يُديرها مُلاكها
في أوروبا وفقاً لما يرونه "حقاً لهم" و أصبحت مصر بهذا الصندوق تابعة
للغرب اقتصادياً، و لم ينتظر الإنجليز أكثر من 6 سنوات حتى جاء الإحتلال الإنجليزي
لمصر عام 1882 لتتحول التبعية الإقتصادية لتبعية كاملة.
و في عام 1976 فتح حاكم مصر – الرئيس السادات
– أبواب الإقتصاد المصري لرأس المال الأجنبي فيما يُعرف بعصر الإنفتاح بحجة بناء
اللإقتصاد المصري على القروض و الإستثمارات الخارجية. عندئذٍ تدخّل "صندوق
النقد الدولي" كضامن لتدفّق قروض الحكومات و البنوك العالمية.
و كان الهدف: فتح الإقتصاد المصري – الوطني –
أمام رأس المال الغربي و إعادة تخصيص موارد الدولة المصرية لخدمة رأس المال الجديد
– أي رأس المال الغربي و المحلي التابع له – مما أدّى إلى ضعف سُلطة الدولة في السيطرة
على الأسواق و الأسعار و أصبح تهديد اقتصاد الدولة المصرية بين يدي أصحاب رؤوس
الأموال الغربية. و هذا يعني تبعية اقتصادية كاملة للمركز الرأسمالي الغربي. و لعل
هذا قد يُفسّر رضوخ الدولة المصرية فيما بعد لتوقيع ما يُعرف بإتفاقية السلام مع
اسرائيل في سبتمبر 1978.
و الآن يتم إعادة صناعة التبعية المصرية
للغرب مرة أخرى و بنفس الأدوات – مع تغيير طفيف في أسماء اللاعبين- فالدور الذي
قام به الخبير الإقتصادي البريطاني الشهير" ستيفن كييف" في عهد اسماعيل يقوم
به الآن مُنظمات دولية كُبرى مُتخصصة في إقراض الدول النامية و المنكوبة فيما
يُعرفون باسم " قراصنة الإقتصاد".
يقوم قرصان الإقتصاد – و هو عالم إقتصاد رفيع
المستوى- بعمل دراسات اقتصادية دقيقة عن
أحوال البلد الإقتصادية، ثم يرفع هذه التقارير للمؤسسات المانحة – مثل صندوق النقد
الدولي- و التي على أساسها تقوم بوضع شروط تعسفية قاسية لمنح القروض، و تتعثر
الدول عن سداد الديون في أغلب الأحيان – نظراً لدقة قراصنة الإقتصاد و مهارتهم في
عمل دراسات اقتصادية خادعة و مُغرقة في التفاؤل لمستقبل الدول النامية أو
المنكوبة- ، فتقوم المؤسسات و الحكومات الغنية بدفع "معونات" للدولة
المُتعثّرة حتى لا تُعلن إفلاسها، وفي المُقابل تتحول الدولة المُستقلة ذات
السيادة إلى دولة تابعة اقتصادياً. و عند زيادة الديون، تتحول التبعية اللإقتصادية
إلى تبعية سياسية – مثل الإرغام على
التصويت لإمرار قرارات في الأمم المتحدة – أو تبعية عسكرية – كإنشاء ثكنات و
مُستعمرات عسكرية أجنبية على أراضي الدولة.
و الآن، مع صعود كلمات مثل " مشروع
النهضة" و "تحديث" الدولة المصرية، يعود شبح الديون من جديد، مما
يُنذر بمخاطر و صعوبات اقتصادية في المُستقبل سنتحمّل عبئها وحدنا- نحن الشباب و أبناؤنا من بعدنا – ..
فهل هذا ما قامت من أجله الثورة المصرية؟
لماذا لا يقوم الرئيس بجمع أمول الدعم المطلوبة كما دعت لذلك الدكتورة هبة رؤوف
عزت – أستاذة الإقتصاد و العلوم السياسية بجامعة القاهرة – دون اللجوء للإقتراض من
البنك الدولي؟
لقد قامت السيدة أم كلثوم بجمع التبرّعات عام
1968 من أجل سيادة الأمة العربية، و كانت النساء يضعن الحُلي و الأموال في منديلها
حتى لا تُكسر أرادة المصريين ولا يتم إذلالهم إقتصادياً. لماذا لا نفعل مثلها و
نلجأ بكل سهولة للإستدانة؟
التاريخ يُخبرنا أن الدولة المُدانة هي دولة
تابعة، و لكي لا تُصبح مصر دولة تابعة: أعلن كمواطن مصري اعترضي على استدانة مصر
من صندوق النقد الدولي و أعلن استعدادي على المساهمة في دعم أي مُبادرات شعبية –
كالتي قام بها الشيخ محمد حسان من قبل أو التي دعت لها الدكتورة هبة رؤوف عزت
مؤخراً - للجمع الأموال المطلوبة بدلاً من الإستدانة من الخارج.
المراجع :
إفلاس مصر في عهد اسماعيل
بعثة الإقتصادي الإنجليزي ستيفن كييف في عهد اسماعيل لفحص الحالة المالية لمصر
صندوق الدين العمومي الذي تم إنشاءه في عهد
اسماعيل
اتفاقية كامب ديفيد " اتفاقية السلام "
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9_%D9%83%D8%A7%D9%85%D8%A8_%D8%AF%D9%8A%D9%81%D9%8A%D8%AF
كتاب صناعة التبعية لرضا هلال على جوودرييدز
كتاب عالم اللإقتصاد الأمريكي: جون بيركنز " الإغتيال الإقتصادي للأمم " على جوود رييدز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق