قديماً، قديماً جداً، قبل 16 ديسمبر 2011،
خرج الناس يوم 28 يناير من نفس العام يهتفون : عيش. حُرية. كرامة إنسانية.
فخرج عليهم جنود الأمن المركزي و الشرطة
لتفريقهم و سحلهم و ضربهم. فلم يستطيعوا ، فأطلقوا الرصاص المطاطي، فلم يرجعوا عن
مطالبهم، ففتحوا الرصاص الحي عليهم في الشوارع. فلم يستطيعوا ضرب الأفكار بالرصاص،
فقد كانت أفكارهم مُضادة للرصاص، لا تموت بموتهم. و منذ ذلك التاريخ، تتكرر
الأحداث بصور مُتطابقة تقريباً – مع استبدال الشرطة المدنية بالشرطة العسكرية و
أمن الدولة بالأمن الوطني و هكذا - قد تختلف
المُسميات و الأشخاص لكن الأصل واحد إذا وضعنا الأمور في سياقها.
السيناريو : يحدث إستفزاز .. يليه قسوة
مُفرطة و عُنف مُبالغ فيه .. فينزل الناس إحتجاجاً على هذه الإنتهاكات .. فيكون
الرد على الأرض في غاية العُنف، يتبعه تضليل إعلامي مُكثّف .. و يظل الشد و الجذب
هكذا بين السُلطة و الغاضبين في الشارع بشكل عبثي لا نهائي حتى تتجدد الأحداث من
جديد.
و السؤال الذي يجب أن نسأله : من المُستفيد مما يحدث الآن في مصر ؟
المجلس العسكري
هو المستفيد الوحيد تقريباً لأن ما يحدث هو استدراج و إنهاك للثوار في معركة ليست
معركتهم أصلا لتصفيتهم واحداً تلو الآخر. نفس السيناريو حدث في إعتصام أهالي
الشهداء بمارس و في ماسبيرو و في محمد محمود. و النتيجة ؟ خسائر في الأرواح من
الثوار.و من حافظ على نفسه منهم و بقي حياً. فقد أُحيل إلي السجن الحربي. هذا من
ناحية.
اما من الناحية الأخرى التى لا تقل خطورة،
أنه يُزيد حالة العُزلة بين الثوار و من يُتابعون الثورة على التليفزيون من
ماسبيرو ( حزب الكنبة). يكفي المجلس أن يستدرج الناس للتظاهر بضربهم أو سحلهم أو إنتهاك
أعراضهم. ثم يُشيع الفوضى حولهم و يُحرِق المجمع العلمي و يوجه خراطيم الماء نحو
الشباب – لا الحريق ! – حتى يجد الجنزوري و المجلس مادة إعلامية يقومون عن طريقها
بتشويه الإعتصام و التظاهرة و زيادة إحتقان الناس ضد ثوار ميادين التحرير بشكل عام.
لا أعلم الحل الأمثل لما يحدث الآن. لكنَّي
أعلم يقيناً أن سحل البنات و ضرب السيدات المُسنات على وجوههم لا يُمكن السكوت
عليه أبداً. و أعلم يقيناً أن المُشكلة لن تُحل إذا عاد الناس لبيوتهم و تركوا السُلطة لتتوحَّش على المواطنين الآمنين بدون وجه حق.
إذا لم تكن ممن يذهبوا للتحرير ، فيمكنك
القيام بدور مُهم جداً في التوعية ، تكلَّم مع أهلك، اجلس مع والدك و أنت تشرب شاي
بعد الأكل و اسأله عن صحته و عن رأيه في الأحداث، و إذا كيَّل سيل من السباب
لـ"شوية العيال البلطجية بتوع التحرير" فتحمَّل. و اسمع منه تماماً حتى
يُنهي كلامه، ثم ناقشه بمنطقيّة. أخبره أن البلطجية فعلاً في التحرير. بس مش هُما
إللي بيموتوا .. إللي بيموتوا هُما الثوار ، أخبره أن الشيخ الإمام : عماد عفت
أمين دار الإفتاء المصرية مِن ضمن مَن أُطلق عليه الرصاص في صدره لأنه يقول كلمة
حق في وجه سُلطان ظالم .. أخبره أيضاً أن الدكتور علاء عبد الهادي طالب الإمتياز مِن
ضمن مَن أُصيب بطلق ناري في الوجه لأنه يرفض أن يرى امرأة مصرية تُسحل على الأرض
و يُنتهك عِرضها و تتعرى أمام عينه بأيدي عساكر الجيش دون أن يفعل شيئاً. إن كان مَن
في التحرير بلطجية. فلماذا لا يموت منهم إلا أطهر رموز مصر من شبابها و عُلماءها ؟
و أنتِ أيضاً، تكلمي مع والدتك و أختك أخبريها أن " إللي في التحرير بينزلوا عشان مش عايزين عسكري ما عندوش 25 سنة و
ما جابش 60 % في ثانوي – دا لو كان دخلها أصلاً - يضرب واحدة ست قد أمه بالقلم على
وشها و يسحلها على الأرض و يدوسها بالجزمة " .. ذكِّريها أن الثورة أصلاً
قامت من أجل كرامة المصري .. قامت حتى لا يموت شاب مصري آخرعلى يد مُخبر أو ظُابط
شرطة فاسد.
انشر ما رأيت .. قًل الحق ولا تخشى فيه لومة
لائم. لا تكن ثورياً طول الوقت ولا تكن مُعارض للتظاهر طوال الوقت. استفت قلبك و كُن مع الحق. مع العدل.