السبت، 17 ديسمبر 2011

سيناريو عَبَثي مُكرر ..



قديماً، قديماً جداً، قبل 16 ديسمبر 2011، خرج الناس يوم 28 يناير من نفس العام يهتفون : عيش. حُرية. كرامة إنسانية.
فخرج عليهم جنود الأمن المركزي و الشرطة لتفريقهم و سحلهم و ضربهم. فلم يستطيعوا ، فأطلقوا الرصاص المطاطي، فلم يرجعوا عن مطالبهم، ففتحوا الرصاص الحي عليهم في الشوارع. فلم يستطيعوا ضرب الأفكار بالرصاص، فقد كانت أفكارهم مُضادة للرصاص، لا تموت بموتهم. و منذ ذلك التاريخ، تتكرر الأحداث بصور مُتطابقة تقريباً – مع استبدال الشرطة المدنية بالشرطة العسكرية و أمن الدولة بالأمن الوطني و هكذا -  قد تختلف المُسميات و الأشخاص لكن الأصل واحد إذا وضعنا الأمور في سياقها.
السيناريو : يحدث إستفزاز .. يليه قسوة مُفرطة و عُنف مُبالغ فيه .. فينزل الناس إحتجاجاً على هذه الإنتهاكات .. فيكون الرد على الأرض في غاية العُنف، يتبعه تضليل إعلامي مُكثّف .. و يظل الشد و الجذب هكذا بين السُلطة و الغاضبين في الشارع بشكل عبثي لا نهائي حتى تتجدد الأحداث من جديد.

و السؤال الذي يجب أن نسأله : من المُستفيد مما يحدث الآن في مصر ؟

المجلس العسكري هو المستفيد الوحيد تقريباً لأن ما يحدث هو استدراج و إنهاك للثوار في معركة ليست معركتهم أصلا لتصفيتهم واحداً تلو الآخر. نفس السيناريو حدث في إعتصام أهالي الشهداء بمارس و في ماسبيرو و في محمد محمود. و النتيجة ؟ خسائر في الأرواح من الثوار.و من حافظ على نفسه منهم و بقي حياً. فقد أُحيل إلي السجن الحربي. هذا من ناحية.

اما من الناحية الأخرى التى لا تقل خطورة، أنه يُزيد حالة العُزلة بين الثوار و من يُتابعون الثورة على التليفزيون من ماسبيرو ( حزب الكنبة). يكفي المجلس أن يستدرج الناس للتظاهر بضربهم أو سحلهم أو إنتهاك أعراضهم. ثم يُشيع الفوضى حولهم و يُحرِق المجمع العلمي و يوجه خراطيم الماء نحو الشباب – لا الحريق ! – حتى يجد الجنزوري و المجلس مادة إعلامية يقومون عن طريقها بتشويه الإعتصام و التظاهرة و زيادة إحتقان الناس ضد ثوار ميادين التحرير بشكل عام.

 لا أعلم الحل الأمثل لما يحدث الآن. لكنَّي أعلم يقيناً أن سحل البنات و ضرب السيدات المُسنات على وجوههم لا يُمكن السكوت عليه أبداً. و أعلم يقيناً أن المُشكلة لن تُحل إذا عاد الناس لبيوتهم و تركوا السُلطة لتتوحَّش على المواطنين الآمنين بدون وجه حق.

إذا لم تكن ممن يذهبوا للتحرير ، فيمكنك القيام بدور مُهم جداً في التوعية ، تكلَّم مع أهلك، اجلس مع والدك و أنت تشرب شاي بعد الأكل و اسأله عن صحته و عن رأيه في الأحداث، و إذا كيَّل سيل من السباب لـ"شوية العيال البلطجية بتوع التحرير" فتحمَّل. و اسمع منه تماماً حتى يُنهي كلامه، ثم ناقشه بمنطقيّة. أخبره أن البلطجية فعلاً في التحرير. بس مش هُما إللي بيموتوا .. إللي بيموتوا هُما الثوار ، أخبره أن الشيخ الإمام : عماد عفت أمين دار الإفتاء المصرية مِن ضمن مَن أُطلق عليه الرصاص في صدره لأنه يقول كلمة حق في وجه سُلطان ظالم .. أخبره أيضاً أن الدكتور علاء عبد الهادي طالب الإمتياز مِن ضمن مَن أُصيب بطلق ناري في الوجه لأنه يرفض أن يرى امرأة مصرية تُسحل على الأرض و يُنتهك عِرضها و تتعرى أمام عينه بأيدي عساكر الجيش دون أن يفعل شيئاً. إن كان مَن في التحرير بلطجية. فلماذا لا يموت منهم إلا أطهر رموز مصر من شبابها و عُلماءها ؟

و أنتِ أيضاً، تكلمي مع والدتك و أختك أخبريها أن " إللي في التحرير بينزلوا عشان مش عايزين عسكري ما عندوش 25 سنة و ما جابش 60 % في ثانوي – دا لو كان دخلها أصلاً - يضرب واحدة ست قد أمه بالقلم على وشها و يسحلها على الأرض و يدوسها بالجزمة " .. ذكِّريها أن الثورة أصلاً قامت من أجل كرامة المصري .. قامت حتى لا يموت شاب مصري آخرعلى يد مُخبر أو ظُابط شرطة فاسد.


انشر ما رأيت .. قًل الحق ولا تخشى فيه لومة لائم. لا تكن ثورياً طول الوقت ولا تكن مُعارض للتظاهر طوال الوقت. استفت قلبك و كُن مع الحق. مع العدل.


الأحد، 11 ديسمبر 2011

حوار لا يجب أن يظل طي الكتمان ..




قال (أ) : أريد ألّا أُصُاحب إلا إمرأة واحدة في عمري ، أشاركها أحلامي و آمالي، أفراحي و أحزاني، و تقطيع السلطة و شرب القهوة صباحاً ، حسناً .. لا أظنها تُحب القهوة ، لا بأس ، سأشرب فنجان قهوتي و تشرب هي كوباً من الكابتشينو و نحن جُلوس فى شرفة بيتنا الدافىء.
فقال (ب) مبتسماً إبتسامة ذات مَغْزى : خَبّرنا عنها أكثر.
و كان معروفاً بين أصدقاءه بالسخرية اللاذعة من كل شىء ، حتى نفسه !
فقال (أ) : أريدها إنسانة ، تفهم إنسانيتي ، لن تكون مثل ما أَراهن منتشرات يلعبن و يمرحن و يتظاهرن بالطفولة البريئة ! كيف لطفل برىء ألّا يستحى ؟ حبيبتي ليست لاهية لاعبة ، لكنها طفلة ، و عندما تبلغ الثمانين ستظل طفلة و لن أكف عن اللعب معها!
فقال (ب) : حد يقفل سبيس تون لو سمحتم !
فقال (أ) : مرة أخرى و سأرحل و أتركك تسخر من أنفك التى تشبه نفق الأزهر تلك !
فرد عليه (ب) : كيف ستجدها إن لم تبحث عنها ؟
فقال (أ) : و من قال أننى لن أفعل ! ، لكننى لن أعرف غيرها.
فقال (ب) : لا أوافقك الرأى ، إذ لابد للشاب أن يكون "خِبْرة" و يفهم البنت من أول نظرة ، إن معرفة البنات كالقراءة ، عندما تقرأ أول كتاب لك ، قد يبهرك تماماً ، و لكن بعد قراءة الكتاب المائة ، قد تجد أن هذا الكتاب من أسخف ما قرأت ، كذلك الفتيات ، قد يخدعنك بأدبهن و حشمتهن أو بدلالهن ، و لكن ما إن تقع الفأس فى الرأس حتى تجد نفسك متدلياً بحبل مربوط فى عنقك ، مُنتحراً ، أسفل كوبرى قصر النيل من سوء عِشرتهن!
فقال (أ) : ما تقوله ليس سوى تبرير لما "تحب أن تفعل" ، لأن من أتكلم عنها لن تكون – أصلاً – ممن تقبل أن يصاحبها أحد الشباب بهذه الطريقة المُبتذلة المُهينة، لا أُريد هذه الفتاة التي تَقبل على نفسها أن تكون كالسلعة، إذا أعجبت هذا الشاب تُصاحبه، و إذا لم تعجبه، فإنها تُعرض نفسها على غيره. هى إنسانة فعّالة فى المجتمع و تشارك فى العديد من الأنشطة و لها علاقات متعدده، لكن قلبها لن يُفتح إلا لواحد فقط.
فقال (ب) : أراك كـ"سى السيد" ، تريد زوجة صينية فيها كذا و كذا ، لا ينقصها إلا أن تنوّر في الظلمة !
فقال (أ) : بالطبع لا ، فأنا أفهم طبيعة حبيبتي ، و أفهم كيف تفكر ، حبيبتى تريد أن ترتبط برجل ناجح ، مثقف ، يفهم إنسانيتها و يحنو عليها ، يكون لها أكثر من أب و أم و أخ و أخت ، يُقبّلها بين عينيها عند عودته من العمل ، يُشجعها على النجاح بينما تؤيده في قراراته الحاسمة ، لذلك ما أفعله هو أن أكون جديراً بها ، و عندئذٍ فقط ، سأجدها ، إذا أردت فاطمة ، فكن أنت علياً ، و إذا كانت هي سيمون دي بوفوار، عليك ألا تكون أقل من ساتر لتكون جديراً بها.



الأحد، 20 نوفمبر 2011

صراع بين إرادتين ..



في الشدائد يفترق الجمع الى : قوي حق، قوي باطل، منافقين متخاذلين.

ما حدث هو اغتصاب للسلطة و ليس نقلاً لها ، تفريغ للثورة من ثوريتها وقضم لأظافرها عن طريق التباطؤ في محاكمة قتلة الثوار و تضييع حق الشهداء و عدم تلبية رغبة الشعب في إصلاح و إعادة هيكلة وزارة الداخلية بل ما حدث هو ترقية لبعض هؤلاء القتلة! .. ثم تأتي الضربة القاصمة للثورة في محاكمة الثوار مُحاكمات عسكرية ظالمة في حين أن الديكتاتور العسكري يُحاكم أمام قاضي مدني!
كل ما قد ظهر من قرارات للمجلس العسكري ما هي إلا قرارات تُحاول تفريغ الثورة من ثوريتها لتحولها إلي إنتفاضة أو هَبّة أو مُحاولة للإصلاح لنظام فسد و عفن و نتن منذ عقود ..
إرادتنا هي : نُريد إعلان من المجلس العسكري لخطة زمنية لإدارة البلاد تضمن أن رحيله سيكون في يوم 29 أبريل 2012 كحد أقصي .. الإنتخابات البرلمانية في معادها ، ثم الرئاسية تليها مُباشرة ..
إرادة المجلس الواضحة بعد إصدار وثيقة السلمي هي في البقاء في السُلطة لتنفيذ إرادته على حساب الإرادة الشعبية، وهذا ما لا نُريده .. لقد قُمنا بثورة لنعيش بكرامة في حُرية و إرادة مُستقلة .. نُريد أن نختار حاكمنا بالإنتخابات و نحاسبه عن طريق مجلس الشعب .. لم نختركم يوماً لتحكمونا ولا لتتحكموا في مصائرنا ولا أن تضربونا و تُهينوا كرامتنا بحجة المصلحة العامة .. أية مصلحة عامة في إهدار كرامة الإنسان ؟..

طلبنا من المجلس هذا المطلب بكل الطرق المُمكنة، في البرامج ، و الجرائد و على الانترنت و حتى على جدران الحوائط في الشوارع .. و لم يبق إلا الميدان .. إذن فالميدان ..

إذا استشهدت، ففي سبيل الله أدافع عن حريتي و كرامتي و كرامة بني وطني، و إذا فزنا بمطالبنا، فهي الحرية و الكرامة و العزة ..




..

السبت، 5 نوفمبر 2011

زيارة غير مُتوقعة ..




تتعدد النقاط التي يُمكن الإنتهاء اليها و تتعد نقاط الإنطلاق كذلك ، لا يهم ، المُهم هو الطريق، فللسعادة – كما تعلمون يا سادة - أسباب كثيرة .. و للبؤس أيضاً.
بدا اليوم ضبابياً و كئيباً بشكل غير مُطمئن، لم أنم طوال الليل لأُنجز لوحات المشروع ، و لم يسع الوقت لإكمال نصفها على الأقل ، لا توجد قهوة ، صُداع يحاول قهري بإقامة شعائر صلوات وثنية مُزعجة لشياطين الإنس و الجن بأعلى مُقدمة رأسي ، و دقت الساعة السابعة و النصف و لم أنته من الشجار مع أخي كي يُخفض صوت الموسيقى – في أحيانٍ أُخرى أُطالبه برفع الصوت كي أصل لذروة التركيز، لكنها الآن و في هذه اللحظة كانت وبالاً طافحاً- فارتديت ملابسي الغير مكويّة قبل أن اتشاجر مع أمي لأنني لم أُخبرها أن ملابسي المكوية اتسخت كلها، أخذت لوحاتي و المفاتيح و حوالي عشرين جنيه فكّة كانت في الدرج و صفعت الباب ورائي، ثم عُدت بعد أن هبطت دورين كاملين لآخذ الموبايل من الشاحن ، و صفعت الباب من جديد، لاعناً كل الموبايلات و الشواحن.
بمجرد أن نزلت للشارع ووجدت الغيوم تتجمع في السماء و كأنها ستتشاجر معي هي الأُخرى تأففت بشدة، فسوف تُمطر الآن و سيقف المرور تماماً و لن أصل الكلية و لو بعد غد.
لم تُمطر لكنها ظلًت في غيوم مُتصل ، تأكد يقيني بأنني تأخرت عندما وجدت المحطة مزدحمة تماماً، لن أركب ميكروباص اليوم، سأسير للمترو و أحشر نفسي فيه وسط رائحة العرق و الجواكت الجلد الرديئة الصُنع حتى أصل لمحطة الدمرداش و منها أركب أى مواصلات للكلية ، لا أعلم ما الذي سأركبه فلم أسلك هذا الطريق قبل هذا اليوم الكئيب، و لكن المُجازفة مطلوبة ، أليس كذلك؟
القطار يسير ببطء و أشعر أنه يترنّح يميناً و شمالاً كأنه لا يتحمل ما فيه من رُكاب، وصلت للمحطة ، و لم أعرف أين أذهب أو ماذا أفعل، سألت شرطي المحطة عند خروجي فأخبرني أنني لابد و أن أركب تاكسي لأنه لا توجد مواصلات لهناك مُباشرة ، لم أشكره و انصرفت.
لا شىء يمر من هنا إلا الميكروباصات و الأتوبيسات المتخمة بالركاب ، ولا شىء علي أن أفعله إلا انتظار التاكسي الذي سيأخذ كُل ما معي بالتأكيد ثمناً لثرثرته في أذني التى أصبحت لا أسمع بها من شدة الصُداع ، و فوجئت عندما تحسست مكان محفظتي أنني نسيتها ، و معنى هذا أنني لم يبق معي إلا الفكة التى أخذتها من الدرج و لم تكن سوى سبعة عشر جنيها بخلاف الجنية الذي دفعته ثمناً لتذكرة المترو ، نظرت في الساعة لأتأكد من الوقت، لقد تأخرت بالفعل على معاد المُحاضرة الأولى، انتابني شعور يمزج بين الإستهتار و الإستسلام للأمر الواقع، و لكن، و في هذه اللحظة ،  قطع الفضول انتظاري، فقد رأيت طفلاً لم يتجاوز العاشرة يحمل شنطة المدرسة الثقيلة و يتحرك على المحطة ذهاباً و إياباً و يسير وراءه أخوه الأصغر سناً، يُقلده في كُل حركاته، عندما يقطب جبينه، و عندما يُحاول أن يتماسك كي لا يبكي، و عندما ينظُر للناس من حوله في قلق.
رغماً عني وجدتني أنجذب له، من الواضح جداً أنه في أزمة، يبدو كَمَنْ ضل الطريق أو فَقَدَ مصروفه ولا يستطيع الذهاب للمدرسة، اقتربت منه لكنني لم أسأله عن مُشكلته، ظللت أتفرج عن قُرب، ظل يذهب و يروح و يسأل أخوه و يتطلع للناس و للمباني الكبيرة حوله، و في لحظة ما، وجدته يستسلم و يقطب جبينه و ينكمش داخل نفسه و يجلس على طرف الرصيف، و أخوه يُحاكي كل أفعاله، ثم بدأ البُكاء.
عندئذ تدخّلت و سألت الطفل: مالك ؟ فيه حاجة وقعت منك؟ أنت تايه؟ ..
 رد بكلمات لم أفهم منها سوى : ماما ..
 سألته : تُهت من ماما؟
 قال لي: لأ ..
 قلت له : أُمال مالك ؟ ما تعيطش عشان أعرف ماما فين و أوديك عندها ..
كان يبكي بحُرقة ، و كأنه لن يراها مرة أُخرى .. حاولت تهدئته بصعوبة حتى قال بعد عدة شهقات مُتتالية حاول فيها السيطرة على سيل بُكاءه : ماما عيانة و في المُستشفى و لمّا سألت بابا و هو بيودّينا المدرسة كدب علينا و قال أنها مسافرة ، بس أنا سمعته بيقول لعمتو أمل إمبارح أنها هتعمل العملية بُكرة - و قام بالتوضيح  مُستطرداً – النهاردة يعني .. أنا عاوز أروح لها، أنا خايف و مش عارف أروح لها إزاي.. إحنا كُنا ماشين ورا بابا من غير ما يشوفنا لغاية ما وصلنا هنا و بعدين تاه مننا.
سألته : أنت عارف اسم المُستشفى إيه؟
قال لي: اه .. اسمها على اسم المُذيع التِخين بتاع قناة المحور .. مُعتز الدمرداش .. كانت عمتو بتسال بابا و قال لها كده.
قلت له : أنا رايح هناك أصلاً .. ممكن أوصلك في طريقي؟
فنظر لي الولد بنظرة قلقة : هتوديني لماما ولا هتخطفني؟
قلت له : هوديك لماما عشان تشوفها و تطمِّن عليها ، هيَّ ماما اسمها إيه ؟
قال : أميرة ..
قلت له : أه .. هعدي على طنط أميرة فى الطريق .. لو عاوزين تيجوا أوصلكم ، تعالوا ، بس بسرعة عشان متأخر!
فأخذ أخوه يهمس له في أُذنه و الآخر يرد عليه بهمسات مُماثلة ثم أمسكا كل منهم بيد الآخر، و جاء الكبير ليُمسك يدي.
و سرت و لا أعلم أين مكان المستشفى !
حاولت تسليتهم في طريقي ، فاشتريت كيسان شبيسي لهما كي أُلهيهما في شىء ما حتى أسأل صاحب الكُشك عن مكان المُستشفى.
علمت منهم في الطريق أن الأكبر اسمه سمير و الأصغر شادي ، و أن شادي لم يُتم واجبه بالأمس كما ينبغي لأنه "راحت عليه نومة" لأن ماما لم تكن موجودة لإيقاظه للمذاكرة.
و عرفت أن بابا اسمه سعيد ، و أن جدو اسمه ياسر و جدو التاني اسمه صلاح.
دخلت المستشفى وفي رأسى السؤال عن : أميرة صلاح أو أميرة ياسر .. و إذا بسمير يفلت يده من يدي و يجري نحو المدخل و ينادي : بابا .. بابا! و يجري خلفه شادي ، فيُذهل الأب لثوانٍ و يسألهم عن كيفية و سبب مجيئهم بنظرة رحيمة مُشفقة .. و بعد لحظات من كلام سمير، لم يتمالك الأب نفسه، و ذرفت دموعه وإذا به يحمل شادي و يُمسك بيد سمير و ينظر له طويلاً ، ثم يبتسم ، و يمشوا معاً.

لم أتخيّل سيناريو اليوم بهذه الطريقة أبداً ، نظرت للساعة - لقد فاتت المُحاضرة الأولى و الثانية أيضاً قاربت على النهاية – لكنني لم أُفكر وقتها في شيء سوى أن أشتري ورداً بكُل ما أملك الآن - الأربعة عشر جنيها - و أعود للبيت بأسرع وقت مُمكن لأضع الورد بجوار أُمي و أُقبلها و ابتسم و أفتح شباك غرفتي لأرى الشمس تظهر من جديد، ذهبية، دافئة.





الخميس، 22 سبتمبر 2011

الأرواح الهائمة التي تضيق بأجسادها ..

كثيراً ما يتحدث الأدباء و الفنانون عن الأرواح و الأجساد و الجمال و الأذواق، و لكنهم يتحدثون دائماً عن تلك الروح التي تضيق بجسدها و تطمح في الإتصال بالجمال في كًل شىء ، حتى تبلغ الإتصال بمُنتهي الجمال الكوني.

 بينما يتحدث رجال الدين عن تلك الروح على أنها سر من أسرار الخلق ، أختص الله بها نفسه، و لكنهم - أيضاً - يُرجعون كُل ضيق في النفس و اضطراب في الروح إلى معصية الله!

لست فناناً و لا أديباً ولا عالم دين و لكني أجد أن الناس مُختلون في هذه النقطة تحديداً ، فهم دائماً ما يُرجعون قلقهم و اضطرابهم إلى قوة لايقدرون على فهمها تمام الفهم ، فهي عند الأدباء و الفنانين تُمثل الجمال بتعقيداته التي لا يفهمها الكثيرون، بل يشعرونها. و عند رجال الدين يُمثل الإضطراب الروحي غضب من الله، و يكون عند الكثيرين مُجرد "موود مش تمام" و سيمضي بعد قليل إلى غير رجعة.

لكني أظن أن هذا الإضطراب ناتج عن وجود إطار ما يَحكم علاقاتنا و سلوكياتنا و يفرضها فرضاً ، لا أقول يُنظمها ، لكن يفرضها!

يمكن لهذا الإطار أن يكون دينياً ، أو فلسفياً أو إجتماعياً .. المُهم أنه موجود و يتحكم فينا و يفرض علينا التصرف بشكل ما دون إعطاء أي أهمية لإختلافاتنا التى خُلقنا بها .. فعندما يجلس شاباً مع فتاة في غُرفة واحدة ، تجد الفتاة نفسها في مأزق ، لا يُمكنها أخذ قرار بنفسها ، فإذا فكرت بعقلية رجل الدين ، ستجد أنها لابد أن تُغادر المكان فوراً أو أن تُنادي إحدى صديقاتها للجلوس معها حتى لا تكن في خلوة مع رجل أجنبي في مكان مُغلق .. فكُلنا يعلم بشطارة الشيطان، بينما لا يعلم أحد بقوة المباديء أو تقوى الله.

و إذا نظرت للجانب الإجتماعي ، فستجد أن الفتاة ستذهب نحو الباب و تفتحه و تتركه مفتوحاً - حتى لو كانت تسكن في الدور العاشر و لن يصعد إليها أحد !- ثم تعود و تُكمل الحديث مع هذا الرجل في طُمانينة مُصطنعة ، لأنها لم تفعل ذلك لعدم ثقتها في هذا الشخص ، إنما لعدم ثقتها في صورتها عند الناس .. فهي تفعل ذلك حتي لا يقول الناس عنها كيت و كيت و كيت .. 

و إذا نظرت للجانب الفلسفي لبعض الفنانين ، ستجد أنها ستحاول أن تتظاهر بأنها غير قلقة من حديثها مع رجل غريب في منزلها وحدها - على الرغم من تصارع جميع الآراء في رأسها - لكنها ستُرغم نفسها على التواجد في قالب الفنانين ، لذلك يجب أن تجلس معه في ود و ترحاب ، يُمكنها أيضاً أن تُقبَّل الرجل و أن تحتضنه كعلامة على التواصل الروحي و العاطفي و إن كانت فى قرارة نفسها ترفض ذلك .. و بذلك تتحول أيضاً إلى قالب جامد يُسمي قالب الفنانين و الأدباء!

لا يُمكن للروح أن تهنأ بجسدها التي خُلقت به إلا إذا كانت هذه الروح تُمثل هذا الجسد و تتصل به بشكل عاطفياً بالقلب ، و فكرياً بالعقل ..

ما أعرفه هو أني كي أشعر بأن روحي و جسدي يُمثلان كياناً واحداً مُتناغماً ، فعلي أن أكون أنا .. أنا و لا احد غيري ، و ألا أفرض أقنعة و إطارات زائفة على نفسي ، سواء كانت هذه الأقنعة و الإطارات دينية أو إجتماعية أو حتي تًمثل فلسفات لأحد ما غيري ، لن أضعها كي يراني الناس هكذا .. لن يفعل لي الناس شيئاً إذا كُنت في نظرهم أسعد الناس و أتقاهم و أفضلهم و أكثرهم تقديراً للفن أو العلم إن لم أكن أشعر بذلك فعلاً .. 


على الأنسان أن يَكون نفسه كي يَكون سَعيداً .. فالحياة أقصر من أن نحياها في إطارات عتيقة تُفقدنا حُرية الفكر و تقتل فينا الرغبة في التجديد و الإبداع و تُخيفنا منه .. 








الجمعة، 19 أغسطس 2011

تَسبيحات .. [15] ..

سُبحان الذي خلق السماوات و الأرض، و خلق السُنن الكونية تسهيلاً و تنظيماً لحياتنا .. فيا من خلق و شرَّع ، فهِّمنا سُننك و ألزمْنا بها ..

السبت، 13 أغسطس 2011

تَسبيحات .. [14] ..

سُبحان خالق الجمال ، الذي جعله مُتصلاً بالروح و النفس ، فلا يتذوقه و يتمتَّع به إلا نقي النفس و طاهر الروح ..

تَسبيحات .. [13] ..

سبحان مُهندس الكون و النفس .. سبحانه و تعالى ..

الأربعاء، 10 أغسطس 2011

تَسبيحات .. [12] ..

سُبْحانِ مَنْ خلقَ الإنسانَ في أحسنِ تقويمِ، على الفطرةِ، و جعله مُخيراً في إختيار طريق حياته ، إما الخير و إما الشر، و جعلت في خلقنا و إيجادنا في هذه الحياة حكمة أنت تعلمها، فاللهم وفقنا لتمام مهمتنا في هذه الدنيا على خير، و نسألك - يا خالق الإنسان - أن ترحمنا ممن أرادوا تضليلنا لأهواءهم و إتباعاً لشهواتهم و أمراضهم ، و تهديهم للحق و تدخلهم جنتك ، فهم عبادك و أنت ربهم الكريم ..

تَسبيحات .. [11] ..

سُبْحانَ الذي خلقَ الروح سرًا لا نُدركه، لا بالعلمِ و لا بالقُرْبِ، و جعلتها سراً من أسرارِ الخلقِ الذي لا يقدرُعليه سواكَ .. فاللهم كما حفظتَ سر الخلق ، أعِنَّا على حفظِ أسرارِ عبادكَ،و اجعلنا من المستورين ...

تَسبيحات .. [10] ..

سُبْحان مَنْ خَلَقَ السماء بلا حدودِ تراها أعيُننا و لا تُدْركها حواسنا، خَلْقٌ واسعٌ و متسعٌ لا مثيلَ له، فيا من خلقتَ السماءَ على إتساعها و لم تُباهي بها، إجعلنا مِمَنْ يدخلون في رحمتكَ التي قلتَ عنها  " ورحمتي وسعت كل شىء " ..

الاثنين، 8 أغسطس 2011

تَسبيحات .. [9] ..

سُبحان الذي خَلَقَ مِنَ الماءِ "كل" شيء حيّ ..

السبت، 6 أغسطس 2011

تَسبيحات .. [8] ..

سُبحان مَنْ خَلَقَ المَعاني و المَاديات ، و فضَّل المعاني على الماديات و جعلها غير قابلة للإمتلاك ، فالحَمْد لك - يا رَحْمَن - أن جَعَلتَ الحَقْ  و الخير و العدالة و الإحسان معنويات ، تُحس و لا تُشترى ..

الجمعة، 5 أغسطس 2011

تَسبيحات .. [7] ..

سُبحانك اللهم خَاِلق "راحة البال" و جاعلها دليلاً على نَقاء السَّريرة و اتفاق الفعل بالفكر ، فاللهم صَلِّح لنا أفكارنا لنُصْلِحَ أفعالنا ، و أجعلنا من أهل راحة البال .. يارب ..

الخميس، 4 أغسطس 2011

تَسبيحات .. [6] ..

سُبْحان من خَلَقَ الفنون تهذيباً للنَفْس و راحةً للروح و الجَسَدْ ..

الأربعاء، 3 أغسطس 2011

تَسبيحات .. [5] ..

سُبْحانك اللهم خالق الصَبْر بدرجاته ، صَبْر عن الآثام حتى نتركها و صَبْر على الطاعات حتى نؤديها ، و صَبْر على الدنيا و آلامها حتى نرحل عنها ..  وقد جعلت صَبْرنا على الطاعة و عن الآثام مقروناً بمَعرفتك و مَحبتك و الأُنس بِكْ .. و جَعلْتَ صَبْرنا على الدنيا و آلامها و إبتلاءها مَقروناً بحكمتك العُليا .. هذا الصَبْر - صَبْر الإبتلاء -  نصل به إلى القُرْب منك الذي يُعيننا على زيادة المعرفة عنك و الحُب لك و الأُنس بك .. فالصَبْر لَكْ أولاً و بِكْ آخراً ... فاللهم  يا - عَليم بنا و بجهلنا و بضعفنا - اهدِنا للصَبْر لَك عن الآثام و على الطاعة ..  و اللهم - يا قَادر - اهدنا للصَبْر بِك على الدنيا و أحزانها ..

الثلاثاء، 2 أغسطس 2011

تَسبيحات .. [4] ..

سُبحان مَنْ يُمْهل و لا يُهْمل .. الذي يُملي للظالم حتى إذا أمسَكه، لم يَفْلته ...

الاثنين، 1 أغسطس 2011

تَسبيحات .. [3] ..

سُبحان مَنْ خَلَقَ العقْل و أمرَ عباده بالتفكُّر و التدبُّر ، مُذكراً إياهم بذلكَ فى كتابِه قائلاً : " أفلا يعقلون " و "أفلا يتدبرون" و " لعلهم يفقهون" .. فاللهم - خالقَ العقلِ - إجعلنا مِمَنْ يستخدمون عُقولهم للوصولِ و إن ضلّوا .. و لا تجْعلنا مِمَنْ قالوا "هذا ما وجدنا عليهِ آباءنا " و إن كانوا على الحق .. فلا إيمانَ لمن لا إرادةَ له ، ولا إرادةَ لمن لا عقلَ له .. 

الأحد، 31 يوليو 2011

تَسبيحات .. [2] ..

سُبحان من لا تُدركه العقول و لا تَراه الأبْصار ، فكيف يكونُ لنا تمام الإدراكِ بكَ و قد خَذَلَتْنا عقولنا عن إدراك ذواتنا حَقْ الإدراك ؟ و كيف - اللهم خالقي - أراكَ بما خلقتني و قد عجزتُ بها عن رؤيةِ الزمن و الرضا و السعادة ، و هم بعضُ مخلوقاتك ..؟ اللهم أرهَقَتْنا الشكوكْ و استَبدتْ بنا .. و لا دليلُ عليكَ إلا أنت ، فَيا مَن أنتَ دليلُ عليكَ ، ارزقنا قَناعة بك تُرضينا و تُرضيك عنَّا ..


السبت، 30 يوليو 2011

تَسبيحات .. [1] ..


سبحان من خلق الزمن يحيط بنا و ينظم أفعالنا ، فلا تتقاطع أقوالنا و أفعالنا فى اللحظة ذاتها عدة مرات ، سبحانك ، كيف سيكون حالنا لو أننا نقول الآن أننا سنفعل غداً ما فعلناه بالأمس! .. 
إن فى خلق الزمن المُحيط بنا فلا نتخطاه ، السائر فى إتجاه لا رجعة فيه ، لرحمة لقوم يعقلون ..



الجمعة، 24 يونيو 2011

رحلة مع توم و جيري و الكتكوت الأصفر ذو المُنقار البرتقالي !

لا أظن أن أحداً ممن سيقرأ هذه الكلمات لم يشاهد الكارتون الأشهر فى العالم (توم و جيري) فى فترة -أو كما هو الحال معي - طوال حياته ! 

و أتوقع أن كثيرين يتذكرون حلقة "That is my mommy "  التى تبدأ ببيضة تتدحرج حتى تصل إلى (توم) فتتهشم البيضة ليخرج منها كتكوت أصفر ذو منقار برتقالي يجرى نحو توم و يقول له : بابا .. بابا ، أنت بابا ، أنا أحب بابا ، و بابا يحبنى !




و تيدأ الحلقة بأن ينتهز توم الفرصة ليأكل هذا الكتكوت الأبله ، و يتدخل (جيري) لإنقاذ الكتكوت و محاوله إفهامه أن توم ليس "بابا" و يقرأ له كتاب يوضح أن القط يلد القطط و أن الفرخة تفقس الكتاكيت ، لكنه ، و بشكل عفوي ، يجري ناحية صورة القط فى الكتاب ، و يقول :  بابا .. بابا !! و يحتضن صورة توم ! ... فيحاول (جيري) التفسير ،  فيضربه و يهرب إلى (توم) من جديد !




هذا يُذكرنا بما يحدث الآن من جدل فى المجتمع حول أحداث كثيرة ، منها ( الدستورأولاً - الإنتخابات أولاً ) أو ( هل الإسلام ديناً وعقيدةً يختلف عن مشروع الإسلام السياسي ؟ و ما الفرق بين د.العوّا و أبو الفتوح و أبو إسماعيل ؟ ) ... إلخ 

فتجد مؤيدين و مُعارضين لآراء مُتعددة و متضاربة يمسكون بعض الجُمل و التصريحات لمؤيديهم و يقولون - على طريقة الكتكوت - : بابا .. بابا ، أنت بابا ، أنا أحب بابا ، و بابا يحبنى ! دون أدنى إلتفاتة للرأى الآخر الذى قد يكون خطأ يحتمل الصواب ، كما أن رأيك صواب يحتمل الخطأ !



لا يُمكن النقاش حول هذه المواضيع بثقة "اليقين" بأن ما نتدواله من أفكار و آراء هو الصح المُطلق ، و أن ما دون ذلك هو الضلال ! و إنما يجب المناقشة بثقة "أغلب الظن" أن هذه الآراء هى الأصح من وجهة نظرنا الآن ، و أن الآراء الأُخرى قد تكون هى الأصح و الأنسب فى وقت آخر او بلد آخر ..

و أذكر أننى شهدت مُناقشة مع صديق قديم حول أمر ما ، و كان - صديقي- يُعارض الجميع دون أن يستمع لرأى أحدهم ، فقال له أحد الحضور : تخيل أنك وُلدت يهودياً إسرائيلياً ، و تعلمت فى مدرسة أليعازر الثانوية كراهية العرب و المسلمين ، ثم درست فى جامعة بن جوريون و خدمت فى جيش الدفاع الإسرائيلي و قتلت أسرة كاملة فى غزة ، هل كنت سترى أن ذلك حراماً أو عيباً أو ضد الإنسانية ؟ أم أنه - كما يتعلم الإسرائيليون فى مدارسهم - دفاعاً عن حدود إسرائيل المُقدسة ؟

هذا ما يحدث عندما يُغلق الإنسان عقله و يسمح لغيره أن يفكر له ، هل كان هذا الإسرائيلي سيسمح لنفسه بقتل أرواح بريئة إرضاءاً لرئيس الوزراء أو وزير الدفاع ؟  و هل كان المواطن الأمريكي البسيط سيفرق بين سماحة الإسلام و تنظيم القاعدة ؟ و هل كان هذا المتطرف سيفرق بين اليهودية كدين سماويّ و الصهيونية العالمية ؟ ...

الأمر المُثير للدهشة أن صديقى لم يُفكر ، و لكنه جفل ، ثم غضب ، ثم تحول غضبه إلى ثورة مُحتجاً على تشبيهه باليهود و قال أنه لا يقبل أن يتشبه بهم و لا يقبل التفكير فى هذا لأن ذلك لم يحدث ! ثم قام و أنصرف !

لا أظن أنه يختلف كثيراً عن الكتكوت الذى ثار على جيري عندما أراد أن يوضح له أصله و حقيقته الطبيعية ، فقام الكتكوت بصفع جيري ثم عاد ليرمي نفسه فى القدر( الحلّة ) ليأكله توم من جديد !




و السؤال الذى ينبغى سؤاله الآن : هل كل منا الآن يقوم بدور توم أم جيري أم الكتكوت الأصفر ذو المُنقار البرتقالي ؟



-----------------------------------------------------------


هامش : حلقة توم و جيري المذكورة  :


Tom & Jerry - That's my Mommy (1955)




الاثنين، 25 أبريل 2011

كلب أسود بلا ذيل ...


كلب أسود بلا ذيل

الندبات التى تصيب أرواحنا فى الطفولة .. تبقى معنا بعد الكبر" . يقولون فى بلادي : "
كلنا يدرك هذه الحقيقة متأخراً ، عندما نبحث عن أنفسنا بين طيات الماضى ، فنجد أثراً هنا و آخر هناك ، و ننظر لأرواحنا ، فنجدها شيئاً مبهماً مليئاً بالنتؤات التى كانت أكثرها أيام الطفولة .
و كذلك سحر بنت رامى أبو جبل لم تدرك هذه الحقيقة حتى الآن ، فهى لا تزال فى السادسة من عمرها ، و تجلس أمام بيت أم نِضال تلاعب الكلب الذى بقى لها كذكرى تخبرها أنها يوماً ما ، كان لها بيتاً يتكون من طابقين و أباً يعمل مهندساً للكهرباء ،  و أم تُعِد الطعام و تحكى لها قصص كثيرة عن حيفا و يافا و دير ياسين ، و تٌقبِّلها بين عينيها اللتين تشبهان لون العنب و تقول لها بصوت كالهمس : تصبحي على خير حبيبتى ، ثم تذهب إلى ياسمين لتحكم تغطيتها حتى لا تصاب بالبرد و تحتاج المزيد من الليمون و الأدوية المُّرة .
 كم اشتاقت إلى هذا السرير و إلى ألوانها الإثنى عشر التى كانت ترسم بهم مع ياسمين فى الكراسة الطويلة البيضاء ، و عندما كانت تمل من الرسم ، كانت تذهب لتلعب مع الكلب بالكرة الخضراء ، ترمى له الكرة بعيداً ، فينطلق بكل سرعتة نحو الكرة و يقفز و يلتقطها بفمه ، و يعود بها مسرعاً إلى سحر.
تناديها أم نِضال : تعالى يا سحر ، أمك عالجوال من المستشفى فى مصر.
تحاول سحر الجرى كما كانت تجرى مع كلبها ، لكن العرجة التى فى قدمها اليسرى تمنعها من الجرى ، تصيح فيها أم نِضال :
-       بسرعة يا سحر ، الشبكة ضعيفة و ممكن الخط يقطع.
فترتجف أوصال سحر و تحاول أن تسرع حتى تلتقط الجوال من يد الخالة أم نِضال و تقول فى لهفة :
-        ألو .. ألو يا ماما .. أنا سحر
فترد أمها بصوت مبحوح :
-       ألو .. ألو يا سحر ..
تتنهد سحر ، ثم تنهال فى البكاء و تقول :
-        أريدك يا أمى ، أريدك أن تأتى ، الآن ..
-       يا سحر قطعوا لى رجلىّ الاثنتين ، و قطعوا ذراعى الشمال ..
-       عودى يا أمى هكذا و عندما يصلحوا لك يديكِ و رجليكِ عودى لتأخذيهما .. سأقبلك فى يدك اليمنى أربع مرات كل يوم يا أمى حتى تأتى يدك الأخرى ، و لكن عودى يا أمى .... أمى .. أمى ..
و لحظتها قُطع الإتصال ، فأخذت أم نِضال السماعة و أخذت تقول : ألو .. ألو .. و لكن بلا جدوى.
ظلت سحر تبكى قليلاً ، ثم فكرت فى الخروج إلى الحديقة لعلها تجد سلواها مع كلبها الأسود الذى لا ذيل له ، فهو آخر ما بقى لها فى هذا العالم الحبيس الذى تعيش فيه ، و فى هذه اللحظة سمعت ضوضاء فى السماء تقترب من بعيد ، و شعرت بحركة غير عادية فى الشارع ، و سرعان ما أصبح البيت مكتظاً بالبشر ، فقد جاءت عائلة أبو محروس كلها و ما تبقى من عائلة أبو جمال القبّانى و أخرين لا تعرفهم ، تذكرت هذا الصوت الذى كان آتياً من بعيد ،لقد كان يشبه صوت الطائرات التى قالوا عنها أنها هدمت منزلهم منذ ثمانية أيام .
و أخذت تنظر لمن بالبيت بذهول أدى إلى اتساع عيناها ، فأصبحت أكثر جمالاً ، كان كل ما حولها يثير الذهول ، الأحداث تتكرر كما قالوا لها تماماً ، فهى لم تكن قد رأت كل هذه التفاصيل أثناء قصف بيتها ، لأنها كانت بالداخل و ذهبت فى إغماءةٍ ، فلم تشعر بشىء إلا بألم شديد فى عظام فخذتها اليسرى عندما كانت فى المستشفى ، و عندما وضع الطبيب الخشبتين حول فخذها و قام بربطهما جيداً .
 و فجأة ، بدأت الأصوات المخيفة تنهال كالمطر من السماء ، و بدأ الجميع يؤدون صلوات و ترانيم لا تفهمها.
اللهم إننا عبيدُك ، بنو إمائك ، نواصينا بيدك
أبانا الذى فى السماوات ، ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك.
ماضٍ فينا حكمك ، عدلٌ فينا قضاؤك.
لتكن مشيئتك. كما في السماء كذلك على الأرض.
و يرفع الجميع أكف الضراعة فى خضوع : اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ..
و تنهال دفعة أخرى من أصوات الإنفجارات المرعبة التى كانت أعلى و أقرب هذه المرة ، فتزداد الدعوات حرارةً ، و فى هذا السكون المرتعد سمعت سحر نباح كلب ، فتذكرت على الفور أنها تركت كلبها الأسود الذى لا ذيل له مربوطاً فى الحديقة الخلفية للمنزل ، و لكنها متأكدة أن أم نٍضال لن تسمح لها بالخروج ، فأخذت تنظر إلى الباب و أم نِضال ، ثم أخذت تقترب قليلاً قليلاً ، حتى وصلت بالقرب من الباب , ففتحت الباب و اندفعت للخارج و تركت بالدخل أفواه مفتوحةٍ و شهقات مكتومةٍ.
خرجت سحر بسرعة و دارت حول البيت و فوجئت بالكلب مصاب فى قدمه الأمامية اليمنى و هو يتطلع إليها بعينين تطلبان الرحمة، و أدركت منذ اللحظة الأولى أن قدمه تكسرت بسبب إحدى الشظايا التى أصابت رجله و وجهه والجانب الأيمن لبطنه ، ففكت الحبل بإرتباك و هى لا تكاد تتنفس من التراب الكثيف المحيط بها و أخذت تتمتم و عيناها مغرورقتين بدموع حبيسة : آسفة ..
حملت سحر كلبها الأسود الذى لاذيل له و دخلت به المنزل ، فجرت عليها أم نِضال و تمتمت بحمد الله ، و لكن سحر اتجهت إلى الركن الذى كانت تجلس فيه قبل الخروج ، و بدأت تضمد الكلب فى نفس الوقت الذى دخل فيه الرجل الأشعث ، ذو الشعر الرمادىّ  ، يحمل بين يديه طفل لم يتجاوز الثالثة ، فبادرة الجميع بالمساعده و أجلسوه على كرسىّ ، و تسارعوا لخدمة الأب الذى بدا متجهماً و صامتاً بين المحاولات العديده لأخذ جثة الطفل من بين يديه.
كان هذا مما أراح سحر ، لأن العيون ابتعدت عنها و تركتها لتضع الدعامه جيداً للكلب الذى ظل يئن و ينظر لسحر ..
فمالت سحر على أذنيه و قالت له بإبتسامةٍ واثقة : ستكون بخير ، لكنك سوف تعرج قليلاً مثلى ..
و أخذت تلاعبه و تحكى له عن حيفا و يافا و دير ياسين مثلما كانت تحكى لها أمها ، و تناست العالم كله من حولها و شعرت بحنين شديد إلى أمها و الألوان و وجه ياسمين الضاحك و الحلوى التى كان يأتى بها أبوها ، فمالت على الكلب و احتضنته بقوةٍ ، و قالت له : أتعلم ، لن أتركك أبداً طيلة حياتى ، يكفى أنك الوحيد -من بين كل الكلاب- الذى لم تأكل من لحم ياسمين و أبى بعد موتهما.
ثم أخذت تفرك له فى شعر رأسه ، و أخذ هو يغمغم ..